كغيرها من الحاضرات التي تمّ إنشاؤها كمدينة مقدسة بديلة عن العاصمة البكّية الأولى بين دجلة والفرات فإن دمشق تخلت عن الأسماء التي عرفتها منذ فجر التاريخ واحتضنت أسماء الحاضرة المباركة ولكن ليس قبل زمن الخليفة الأمويّ السادس الوليد بن عبد الملك والذي يذكر المؤرخون أن البنائين الذين أمرهم الوليد بن عبد الملك ببناء مسجد في موقع الكاتدائية البيزنطية عثروا أثناء الحفر على صندوق فيه رأس النبي يحيى وما يزال باقٍ على حالته ولم يتحلّل , وتلك كانت حجّة الوليد بن عبد الملك , لنقل المدينة المقدسة (ومدينة الله العظمى ) من حمص العديّة التي يقول مار ميخائيل صاحب التاريخ السرياني الكبير أن رأس النبي يحيى كان في حمص ...
ولا شكّ أن هناك رواية أخرى انتقلت معها العاصمة البكية إلى حمص أو إلى عسقلان أو إلى القاهرة أو إلى زهراء الأندلس أو حمراء اليمن أو حسن كيفا أو كوسا أتونيوس أو وادي كوفا أو كييف أو موسكوفا أو بكين سين .... وحتّى إلى باراسانا في الأمازون
وجيرون - أحد أسماء دمشق - اسم يدلّ على البياض وهو مرادف للحيرة الحوراء , والجير والحير والكلس أو القلس أو القلز هي أيضا أسماء متعلقة بالوادي المقدس وبيضته (بيضة الرخ سين : بيضة العنقاء ) ...
واسم الغوطة - الذي لم تعرفه دمشق قبل عصر الوليد - لم يكن إلا تحويلا لفظيا لاسم (كوثا : كوتا : كوطا : غوطا ) ...
واسم نهر بردى من اسم الفردوس بردايس وتمّ تعريبه بحذف سين التقديس .
في زمن حمورابي كانت دمشق تسمى (أبوم) وكانت عاصمة لمملكة كبيرة تسمى (عمريشو) ولم يبقى من اسمها إلا ما تشبثت أقدم مدرجات أولمبية في العالم قبالة أرواد (عمريت ) .
نحن لم نملك أيّة معلومات تاريخية عن حوالي ثلاثة آلاف سنة من الحضارة سبقت أولى النقوش المسمارية الفراتية سوى ما تتحدّث عنه ألواح الصلصال عن ملوك ما قبل الطوفان العظيم , والتي أعلنت نزول الملكية الأولى بعد الطوفان في مدينة كيش التي أسسها الملك مسلم سيد بلاد سومر .
يستطيع الإنسان أن يجعل كلّ حبة تراب في كوكب الأرض قدسا مقدسا ونعيماً مقيما , ويستطيع أن يجعل منها رجزاً ملعونا وجحيما مقيما ...
فالله لا يعاني أبدا من أزمة عقارية ....................
وما يجب أن يلفت انتباهنا إليه هو أنّ الأمر الديني الذي كان قائما قبل استيلاء بني عبس على السلطة إنما كان تجديداً ضمن المفاهيم والأطر التي كانت قائمة في العائلة التشريعية الإبراهيمية , وإنّه بإمكاننا إطلاق إسم (الإسلام العباسي) على معظم ما وصلنا من نصوص التراث الإسلامي المنقول والمناقض لنصوص القرآن .
وللأمانة والصدق فإنّ هذا التراث المنقول - خلا نصوص الحكمة والتراث العلمي لدار الإمام الصادق (دار الحكمة) والفلسفة الروحية العميقة المأثورة عن آل بيت النبوة - لا يساوي عفطة عنز ...
وما يجب أن يلفت انتباهنا إليه أيضا - وبشدّة - هو أن قصة البكاء على الحسين ورأسه المقطوع في المسجد الأموي وقافلة سبايا أهل البيت إنما هي مثل قصة عثور الوليد بن عبد الملك على رأس النبي يحيى المقطوع مجرّد أقاصيص حكواتي لبرمجة العامة على تقبل واقع جديد تفرضه سياسة الحكام العباسين الذين ألجأتهم الظروف يوما إلى اتخاذ دمشق عاصمة لهم .
والمشكلة الكأداء أن الأشقياء لم يتعدوا على أهل الحق وأوليائه ويسلبوهم حقهم وحسب وإنما استمثروا قصص مآسيهم وآلامهم لخدمة أهدافهم ومآربهم أيضاً . وفي كلا الحالين فقد كان عامة الناس حطب الفتنة ووقودها ... وقد آن للعامة أن تخرج من هذا النير
فمن المؤسف والمؤلم حقّا أنه كلما تمرّد ذئبٌ كاسرٌ على قائد القطيع فإنّ عليه أن يجد قديساً مقطوع الرأس وقطيعاً أعمى يخرج في مسيرة التطبير أو قرع الطناجر والصحون .
يجب أن تنتهي هذه اللعنة لاستئناف مسيرة الإنسان في الموطن الأول للإنسان , فنحن - ومنذ أمدٍ بعيد - ما نزال أجداثاً في القبور ولمّا يئن بعثنا بعد ... وعسى أن يكون له عودٌ جديد مع ترحيل نفايات التاريخ وأرجاز الماضي ... وعسى أن يستأنف دود القزّ الشامي سيره المبارك على منول الأيام فلا تبرز عورتها من جديد
المصدر صفحة بقلم نارام سرجون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق