اخر الاخبار

LightBlog

الأحد، 8 أبريل 2018

لسان الضادّ بين مقصلة الحكّام ومغسلة الأيّام بقلم أسد زيتون

كتب أسد زيتون :

لا يوجد أي كتاب من مؤلفات وتصانيف القرون الإسلامية الأولى - بل وما تلاها - بقي على حاله , وإنّما تمّ إحراق الكتب والمكتبات وتدميرها بطريقة وأخرى عدا عن قتل العلماء وزجهم في السجون حتى الهلاك , ليتاح للحكام والسلاطين تسميم نفوس وعقول الناس بأفكار ومعتقدات باطلة تتيح لهم تنفيذ مآربهم والحفاظ على عروشهم وكراسيهم ...

كتاب (خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور وحتى سنة 1000 هجرية) , يخبركم الكثير عن قصص حرق الكتب والمكتبات وإغراقها وغسلها وعن المصيرالذي كانت تؤول إليه في عاصمة العالم الإسلامي ...

والأنكى أن تتم إعادة نساخة بعض الكتب اعتمادا على النسخة الوحيدة الموجودة في مكتبة السلطة التي كادت لأهل العلم حتى قتلوا , ولكتبهم حتى أحرقت وأتلفت ...

فكتاب العين للفراهيدي - وهو أوّل مؤلف وأول قاموس في اللغة العربية الفصحى - تمّ إحراقه في حياة مؤلفه , ومن ثمّ أعاد أحد تلامذته نساخة نصفه حفظا عن ظهر قلب - كما يقول الراوي - وترك للعلماء مهمة النسج على منواله ...

ولعلّ تلفيق تهمة إحراق كتاب العين على عاتق زوجة الفراهيدي لا تختلف كثيراً عن تلفيق تهمة استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي ضد أطفال الغوطة . ولكنّها تهمة فعلت فعلها في ذلك الوقت وأخفت الكثير من معاني الألفاظ القرآنية ولسانها العربي المبين (لسان الضاد) , لكي يتثنى للأشقياء سوق شروح القرآن وتفاسيره وفق ما يناسب مصالحهم ومآربهم التي كان سيافها على أهبّة الاستعداد لتنفيذ أوامر طغيانها باسم الله ...

وهنا يحضرني التفكير في معنى كلمة (قتل) التي ترد كثيرا في القرآن ...ماذا يعني حين يأمرنا الله أن نقتل قوماً أو يأمر قوماً آخرين أن يقتلوا أنفسهم ؟؟!!!

هل يعني أن نقضي عليهم بالموت والهلاك ؟؟!!! أليس الله هو الذي وهب الحياة وهو الذي يقضي بالموت ؟؟!!!

أنا لا أؤمن أبداً بأن الله يصدر أمراً لمخلوق يقضي به إنهاء حياة مخلوق آخر بأيّ شكل من الأشكال ... وما أفهمه وأعلمه من فعل (قتل) وفق اللسان العربي المبين (لسان الضاد) الذي تحدثنا عنه في أكثر من مقال سابق , أنه تيسيرٌ لفظيّ من فعل ( غثل ) وهو
بدوره لسان الضاد من فعل (لثغ) والذي يعني إدخال سمّ الهلاك إلى جسد الضحية , وبالتالي فإنّ فعل (غثل) يقضي بإخراج ذلك السمّ وليس بإنهاء الحياة وتدميرها كما يفعل السمّ ...

فهذا الكائن البشري الذي جرى تسميم عقله وفكره ليتحوّل إلى مجرم , لن يكون بحالٍ أفضل مع إنهاء هذا الفصل من حياته ومن تطوّره الذي سيستمرّ مع أكوار وأدوار الحياة , والخلاص منه بالموت والهلاك في دور ما من أدوار تطوّره سيعيده كرّة ثانية وقد تكون عودته بما هو أدهى وأمرّ تبعا لطريقة التخلص منه والتي ربما تنزل في أوصاله برنامجا انتقاميا مدمّراً . فالتعامل مع نفس
بشرية تعتقد بأنها تطبق أمر الإله إيمانا به , إنما هو حصيلة ضلال أمّة بأكملها وليس ناتج ضلال نسمة واحدة من نسائم الحياة التي لفحها سمّ الهلاك ...

إنّ الفعل (غثل ) يعني إخضاع قسري لعملية إصلاح وإعادة بناء عبر استرقاق واستعباد هذه النفس المسمومة للقيام بأعمال تخدم الناس كأعمال بناء المرافق العامة وشق الطرق وقنوات المياه وحفر الآبار وفي الأعمال القاسية كأعمال المناجم وغيرها بما يحوّل طاقة هذه النفس الجامحة إلى أعمال تعود بالنفع على الناس وترتدّ إليها طاقة إيجابية خيرة تدفع سموم المعتقدات الفاسدة والهدّامة وتدمر برامجها الشريرة التي تسللت إليها على حين غفلة من الهدى والفطرة السليمة , وبما لا يحمّلها وحدها جريرة ما قانمت به , وإنّما تقع خطيئته وربقته على عاتق المجتمع الذي لا تشكل فيه هذه النفس سوى لبنة واحدة من هيكلٍ تمّ تهديمه بالضلال والفساد واتباع الأهواء والمصالح الأنانية ...

وهنا يأتي دور (السجن) وفعله (سجن) والذي درسنا , في مقال سابق , لفظه الميسّر عن (شجن) الذي يعبّر عن الألم , وهو لسان الضاد من (نجش) ومن اسم (النجاشي) الذي يعني السعيد , وهو من أسماء الغبطة والنيافة والسماحة والسعادة والنيرفانا والحبور التي نجدها في الألقاب الملكية والكهنوتية الحاكمة لنظام العالم القديم ...

فالشجن كعقوبة للمجرم يقتضي إدخال الآلام المبرمجة بالحكمة ليتحول إلى لآلئ في نفس المسجون تدفع منها بذرة التيه والضلال وبرامج الشرور المتفرعة والناتجة من تلك البذرة المسمومة ...

وكما أنّ حرف الزاي أكثر حدّة في اللفظ من حرف السين , فكذلك يكون (الزجن) أقسى من (الشجن) وأشدّ وطأة على المحكوم , وباستخراج لسان الضاد من الفعل (زجن) نحصل على الفعل (نجز) الذي يفيد نقيضه بأن لا يتاح للمحكوم إنجاز أي عمل يخصّه ولا يستجاب طلبه ولا يحق له استئناف حكمه , وكذلك كان يوسف في السجن إذ طلب من صاحبه أن يذكره عند الملك ...

وعلى هذا النحو فإنّ الفعل (غسل) ينزل درجة أقل حدّة من الفعل (غثل ) , فيكون غسل الجسد من الأوساخ مثلاً أوليّا عن غثل النفوس والعقول من الأفات والسموم ...

أرجو أن تلقوا نظرة عميقة على مصائر خزائن المعرفة في العصور الماضية من خلال قراءة الكتاب الموجود على الرابط في الأسفل ... ومن الجيّد أن تقارنوا في هذا الكتاب بين مصائر خزائن الكتب المنقولة وبين خزائن كبد الأرض من ألواح الصلصال المسنون التي ساعدت الحرائق والكوارث على حفظها , والتي اختزنتها الأرض عنوة عن أهلها وحكامهم , وأخفتها عصوراً
طويلة وصولا إلى هذا العصر الذي توفّر فيه للإنسان أن يتأكد من عمرها وأصالتها بأجهزة قياس دقيقة. وما يزال ما بقي منها في كبد الأرض , أعظم خطراً وأكثر نفعاً ممّا تمّ استكشافه وإعلان محتواه ...

لن أضرب أمثلة من الكتاب لأنّه غزير جدّاً بالأمثلة , بل هو جميعه أمثلة على تلك الحقيقة التي أخافت وأرعبت قوماً لم يجدوا بدّاً , مع رعبهم ممّا تختزنه , سوى بالتخطيط لتدمير وسرقة خزائن كبد الأرض , كما سبق وفعل أسلافهم مع خزائن علماء العصور السالفة ...

 نصيحة للقارئ :

كن شجاعاً في رفض كلّ ما ينافي فطرتك ... لا تأبه للمقدسات وآلائها المحرّمة , التي ألفيت عليها قومك حيث ولدت , عندما تستهجنها بفطرتك البسيطة .. عندما يرفضها الطفل الذي يسكن في قلبك ... أنكر ما تعرف من سفسطات القوم حتى تصحّ لك معرفة ما لا تعرف ... قلبك الخالي من شواغل القوم وعباداتهم ومعتقداتهم هو الحرم الأقدس لذكر الله وتسبيحه , وميدان الحياة هو المعبد الأكرم لعبادته وليس ميدان الموت واللعن والسباب والشتائم والشقاق والنفاق ... الإله الذي كان في زمن الأنبياء هو نفسه الإله اليوم وغدا وإلى ما لا نهاية , لم ينقص من جوده شيء ولا من سلطانه ومجده , وكلّ ما منحه ووهبه للسابقين يمنحه ويهبه اليوم وغداً وإلى ما لا نهاية ... وإذا كانت النبوءات قد ختمت فإن الرسالات لم تختم , ورسائل الله تأتينا كلّ يوم وفي كلّ لحظة وكلّ آن ...

لقد أسقط إبراهيم الخليل عبادة الشمس والقمر ونجمتهما الزاهرة ثالثة الأثافي , بشجاعته التي أبى بها أن يكذّب أنوار الفطرة التي فطره الله عليها , وعندما حطّم تلك الأصنام فقد أراه الله ملكوت السموات والأرض , واستقرّت ركائز الفلك وأبعاد وأسماء والوان الكواكب في ألواح الصصال المسنون ... وذلك هو الملك مسلم سيد بلاد سومر المطاع الذي كان أمّة قانتاً لله لا لشيء أو لأحدٍ من خلقه ... والمخلص العائد (نابوئيد) عاد بفطرة آدم الآول ونهج مسلم الأوّل , وحطّم أصنام الكهنوت ووتّد أركان السنن والنواميس الكونية فأخصب شجرتها بعد يبس ورفع محرابها من جديد ... السيّد المسيح لم يقل : بع ما لديك واتبعني ... وإنّما قال : (حطّم أصنامك واتبعني ) ...


صفحة بقلم نارام سرجون على الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Adbox